وصلّى الله على سيّدنا محمّد وسلّم
مدينة تواوون المحـروسة
ذكرى المولد النبوي الشريف لعام 2020 م
تحت الشّعار: الشّيخ الحاج مالك سي نموذج في تطبيق السنة وإحيائها
الموضوعات المندرجة تحت الشعار :
1 / الشيخ الحاج مالك سي والسنة الشريفة
2 / سنية الاحتـفال بالمولد النّبويّ لدى الشّيخ الحاج مالك سي
مقـدمة :
الحمد لله المرشد الهادي إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على صاحب السنة الطاهرة والنهج القويم، سيدنا محمّد وعلى آله وصحابته الغـر الميامين وبعد :
لقد دأبت الحضرة المالكية منذ أيام نشأتها على يد الشيخ الحاج مالك سي على الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف بشكل تطور عهدا تلو عهد مع مضامين وغايات ثابتة تتمثل في إبراز تعاليم الدين و مقتضيات التدين على ضوء سيرة سيد الأنام ومسيرته صلى الله عليه وسلم .
ومما يميز شخصية الشيخ الحاج مالك سي كونه متقيدا تمام التقيد بالسنة الطاهرة وعن دراية،لذا فليس من باب الصدفة أن يأتي شعار المولد لهذا العام مسلطا الضوء على الصلة اللصيقة بين الشيخ الحاج مالك سي والسنة النبوية المطهرةوقد تم ذلك تحت رعاية الخليفة الشيخ أبي بكر سي بن منصور وسائر إخوته ومعاونيه بمن فيهم الشيخ الحاج مالك سي مود، وسائر السلالة المالكية المباركة من المقدمين والسادة العلماء والباحثين …
ولا شك في أن الاحتفال بالمولد في هذا العام قد زامن ظروفا عالمية صحية معضلة مما يتطلب بطبيعة الحال اتخاذ نمط مناسب لهذه الظروف بل إن طرح الموضوعات المختارة يجب أن ينسجم مع هذه الحقائق وثمت أكثر من مبرر على جدوى هذه الموضوعات المطروحة على طاولة النقاش ومائدة التحليل عسى أن يستفيد منها الجميع كل على شاكلته فالشيخ الحاج مالك سي عطاء متواصل وإن شئت قل طاقة متجددة تجدد الزمان والمكان وحسبنا تمثيلا مناسبا لزمن جائحة كورونا تلك الإرشادات التي وجهها إلى الأتباع وعامة المواطنين لما تعرضوا لوباء الطاعون عام ،،،، حيث أمرهم بما أمر به الدين الإسلامي والهدي النبوي في ظرف مماثل وما أحوجنا اليوم إلى تلك التعاليم بل ما أحوج سكان المعمورة إليها في وقت أعيتهم الجائحة ولم يجدوا لها حتى الآن حلا ناجعا أو لقاحا مجديا .
وهذه سانحة ننتهزها لنقول للسادة الذين يقدمون هذه الموضوعات أن يراعوا تعاليم الخبراء واللجان المكلفة بشأن تنظيم فعاليات المولد وذلك حتى لا يتولد جراء فعاليات الاحتفال ما يتعارض مع متطلبات الظرف الصحي الذي نعيشه، واللجنة الثقافية للمولد قد وضعت خارطة طريق ثقافية لتنفيذ مهمتها بصورة تناسب الظرف المشار إليه بما في ذلك تخصيص العناية للذين حالت عائقة كورونا دون حضورهم إلى هذه البلدة الميمونة سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي، فسوف نضاعف مجهوداتنا ليتمكنوا من التقات الفعاليات خلال المولد عن طريق وسائط تكنولوجيا الحديثة. والله المعين القدير .
اللجنة الثقافية للمولد
الشيخ الحاج مالك سي والسنة الشريفة :
لقد كان الشيخ الحاج مالك سي سنيا ملتزما، و متتبعا لآثار المصطفى صلى الله عليه وسلم قولا وعملا، وكان يقول : »وإن كانت قدما الرسول صلى الله عليه وسلم أوسع من قدمي فإنني لن أحيد دون آثاره »، مما يؤكد كونه سنيا في ذاته وسنيا في معاملاته وكتاباته وتربيته للعامة والخاصة المعاصرين له و من اقتفوا آثاره من بعده.
وتأتي أهمية الحديث عن هذا الموضوع في كون كثير من الناس يعتقدون أن السنة تتنافى مع الصوفية ، بيد أن التصوف الصحيح هو السنة بعينها، ولا تغرنك يا أخي التسميات دون مسمياتها، ومن مظاهر تربيته للمجتمع الذي عاصره بالسنة ما يحكى أنه لما جاء إلى مدينة تواوون ليستقر فيها وقعت واقعة ذات يوم بين أحد أفراد أسرته وأهل المدينة غير أنهم لم يخبروه بما حدث ثم تسرب الخبر بعد حين فوصل إليه فقال لهم، ما هكذا أود أن أجاوركم بل إنني أريد أن نعيش في الله وبالله ونتعاون على البر والتقوى والاحترام المتبادل، فبدون ذلك ففراق جميل.
كما يحكى أنه ذات يوم خطب خطبة بالغة تأثر الناس بها أيما تأثر حيث ذكرهم بأمور دينهم وأرشدهم إلى سواء السبيل في أمور دنياهم وفق قوله صلى الله عليه وسلم » الدين النصيحة » فلما كان اليوم التالي جاءه قوم فقالوا له يا شيخ لقد وعظتنا بالأمس موعظة وجلت منها القلوب مما جعل الناس يبيتون دون تناول وجبة العشاء، تأثرا بقولك وشعورا بالمسؤولية، أمام مولاهم فقال لهم أذلك قولي ؟ بل لم أقل شيئا إنما بلغت قول الله وقول رسوله ، وما على الرسول إلا البلاغ. فكيف لا والرسول قدوته والشيخ أحمد التجاني الشريف شيخه الذي كان يسير حيث سار الشرع وكان يأمر أتباعه بأن يزنوا تصرفاته بميزان الشرع ليأخذوا ما وافق الشرع ويضربوا عرض الحائط ما خالفه .
وقد ترسمت سنية الشيخ الحاج مالك في اعتقاداته حيث كان ينفر من الشرك نفوره من الأسد في عرينه، فكان أشعري الاعتقاد والتوجه، مالكي المذهب مع الأخذ بالاعتبار سائر مذاهب أهل العلم.
فيدور حيث دارت السنة الطاهرة فهو في هذا المنوال يمكن تسميته بمالك القطر الإفريقي، كما يمكن وصف منهجه بمذهب مالك في القطر الإفريقي الغربي .
وعلى الصعيد الفكري كان الشيخ الحاج مالك سي كذلك سنيا في كتاباته شعرا ونثرا حيث تأتي وجوه دلالات أفكاره مطابقة لنصوص الكتاب والسنة الطاهرة وأقوال جمهور أهل العلم والدراية وأهل الفكر والولاية، وقد كان كذلك سنيا في هيئته من مظهر وملبس ومسكن . وممتلكات، فما كانت البدعة تتوسم في سلوكياته الاجتماعية والمجتمعية على الرغم من العهد الذي عاش فيه حيث كانت البدعة والشرك قاعدة ونقيضهما استثناء فلا يخفى على أحد مدى كون مجتمعاتنا الإفريقية في ذلك الوقت مولعة بالخرافات والاعتقادات الفاسدة واتخاذ الظواهر الطبيعية آلهة تعبد، وتقدم لها القرابين يوما يوما شهرا شهرا عاما عاما بيد أن الشيخ ومن نحوا نحوه تمكنوا من التفوق على هذه الاعتقادات بل قد كافحوها بالحكمة البالغة فأبلوا في ذلك بلاء حسنا، من ثم عمت مزاياه بل دارت زواياه في مختلف ربوع البلاد .
فخلاصة القول في هذا الإطار فيما يلي:
1/ كان منهج الشيخ الحاج مالك الدعوي مناصرة للسنة الطاهرة
2/ كان الشيخ سنيا عاملا بسنيته دون تفريط ولا إفراط أو تنطع
3/ كافح البدع بالحكمةفنشر بذلك العقيدة الصافية، بين من كانوا
في أغوار الانجراف العقدي
4/ خلف فكرا وأسلوبا مرصوصا بالسنة الطاهرة
5/ مؤلفاته تعكس مدى سنيته رضي الله عنه وأرضاه
سنية الاحتفال بالمولد النبوي لدى الشيخ :
ليس من الإنصاف تعميم الحكم على الاحتفال بالمولد النبوي على أنه وبكافة أشكاله بدعة وحرام، كما ليس من الإنصاف تعميم الحكم بمشروعيته وجوازه على اختلاف أشكاله بل يتوقف ذلك على مدى تطابق الاحتفال لمبادئ الدين ومقاصد المحتفلين، كما يقول الشيخ الحاج مالك :
ألا عـظّموا ليل الولادة حسبة إذا لم يكن نحو الحرام عـدول
فإذا كانت الغاية من الاحتفال هي الحسبة والدعوة إلى الاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم فإن من حرم ذلك فقد ضيق واسعا وحرم مباحا، فالمهم أن يستند الاحتفال إلى قوله تعالى » قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين » فإذا كان الاحتفال بالمولد هو الدعوة إلى اتباعه والاقتداء به خلقة وخلقا على بصيرة فإن ذلك يصب في صميم الدعوة التي أمرنا الله بها في قوله وجل من قائل » ادع إلى سبيل ربك « ، والرسول الأعظم في تصرفاته وسلوكياته وأقواله صورة حية لتلك السبيل وعليه فإن سرد مناقبه، وحث الناس على اتباعه والسير في مساره وتتبع آثاره؛ إذا كان ذلك هو الاحتفال بالمولد النبوي فلك أن تذهب إلى أبعد من كونه جائزا إلى حد القول بأنه في هذه الحالة يأخذ طابع فرض كفاية، والشيخ الحاج مالك سي حين بدأ الاحتفال بالمولد كان ذلك يصب في صميم الدعوة حسب مقتضيات ذلك الواقع الذي كان ملؤه الشعوذة والجهل المركب بالدين والبدائية في أساليب الحياة اليومية، والمحدودية في الاطلاع على العالم الخارجي، بل إن الشيخ الحاج مالك نفسه كان يصف ذلك المجتمع بأنه وبحكم تركيبته الثقافية وخلفياته العقدية لا يمكن أن يتغلب فيه قط طابع الدين على طابع العرف بل الغالب في صراعهما دوما هو العرف.
ومن هنا جاءت أهمية الدور الريادي الذي كان مشايخ هذه الحقبة يؤدونه وكان سلاحهم التعليم والتوعية الدينية وتربية النشء على ذلك ومن أجل هذه المهمة أنشأ الشيخ الحاج مالك سي الزوايا العلمية والكتاتيب القرآنية وقد اخترع هذا الجيل من المشايخ للمجتمع مناسبات موسمية وعلى مقدمتها الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، و شيخنا الحاج مالك من أوائل الذين بادروا إلى الاحتفال بالمولد منذ فاتحة القرن العشرين ، ويحكى أن الشيخ الحاج مالك قد بدأ هذا الاحتفال على شكل ختم كتاب الله تعالى هو وبعض أتباعه داعين الله السلام و السلامة، والسعادة في الدارين، فمن منا يريد أن يفوته خير كهذا ؟ ومن منا يقول بأن تلاوة كتاب الله تعبدا حرام ؟ومن منا يجرأ أن يقول بأن ذكر مناقب المصطفى صلى الله عليه وسلم من حيث الخلقة والخلق ومعاركه وصحابته من حوله حرام وممنوع و لا جدوى تحتها ؟ بل العكس هو الراجح لدى كل ذي بصيرة لا سيما في زماننا هذا الذي تتكالب التيارات الهدامة على المجتمعات وتأبى إلا أن تفرض نفسها على العالم وعلى العولمة، بجانب تداعيات الأعراف الضارة والتقاليد الفاسدة مما جعل الشيخ أحمد التجاني سي العلامة يقول « إذا لم نطهر هذا البلد بالحوار فإننا سندنسه بالدماء »، ومن هنا تأتي أهمية منهج الشيخ الحاج مالك سي والذي يمثل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف جزء كبيرا منه ألم تر أن لفظة » غامو » كانت متداولة لدى أفراد المجتمع قبل وصول الإسلام وانتشاره في المنطقة وكانت تعني مناسبة جماهيرية حاشدة يسود خلالها المجون والسفور والإباحية، فلما جاء جيل المشايخ أسلموا هذه المناسبة التقليدية فأصبح مدلولها الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وهذا دليل على أهمية هذا البديل الذي يصب في قوله صلى الله عليه وسلم :
» من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها » .
فإذا كان « غامو » في صورته القديمة حراما فإنه في صورته الحالية غير حرام حسب قاعدة مفهوم المخالفة المتعارف عليها لدى أهل العلم، وإذا كانت كلمة » غامو » هي التي تحدث الخلاف بين الموافقين والمخالفين فذلك لعدم معرفة الطرف الآخر بأن كلمة » غامو » ترادف في المعنى الاصطلاحي كلمة التعليم و النصيحة و التربية والإصلاح
ولكي يكون الاحتفال بالمولد مجديا للمجتمع ومؤثرا فيه إيجابيا فهنا أعراض يجب أن يخلفها الاحتفال في أفراد المجتمع ومنها :
1 / أن نتخلص من سلوكياتنا، ونتقمص سلوك الني صلى الله عليه وسلم
2 / أن تحيى فينا عناصر الدعوة إلى دين الله بالحكمة
3 / أن يتغير السلوك الجماعي للمجتمع نحو الأفضل
4 / أن تتجسد مضامين العولمة بصورتها المرسومة في الإسلام
هذا وبالله التوفيق والسداد